ليسوا من المحدثين ولا أسندوا الحديث إلى أحد من المخرجين)) 1هـ
وقال السيوطي في مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود على حديث ((نهى أن يمتشط أحدنا كل يوم)) فإن قلت ((إنه كان يسرح لحيته كل يوم مرتين قلت لم أقف على هذا بإسناد ولم أر من ذكره إلا الغزالي في الإحياء ولا يخفي ما فيه من الأحاديث التي لا أصل لها)) 1هـ
وظاهر أنهم لم يوردوا ما أوردوا مع العلم يكونه موضوعاً بل ظنوه مرويا ونقد الآثار من وظيفة حملة الأخبار إذ لكل مقام مقال ولكل فن رجال
14- الرد على من يزعم تصحيح بعض الأحاديث بالكشف بأن مدار الصحة على السند
في فتاوى العلامة الشيخ عليش رحمه الله ما مثاله ((وسئل عن حديث يس لما قرئت له)) هل هو صحيح وما يترتب على من شنع على من أنكر صحته أفيدوا الجواب فأجاب بما نصه ((الحمد لله نص الحافظ السخاوي في كتابه ((المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة)) على أن هذا الحديث لا أصل له وكذلك سيدي محمد الزرقاني في مختصره ويترتب على هذا المشنع المذكور الأدب الشديد لتجرئه على التكلم بغير علم والظاهر من حال هذا الرجل أنه جاهل جاف غليظ الطبع لم يخالط أحداً من أهل العلم ومثل هذا يخشى عليه مقت الله تعالى لخوضه في الأحاديث بغير معرفة إذ من له معرفة لا ينكر المنصوص وشدة الجهل وضعف العقل وعدم الديانة توجب أكثر من ذلك والله أعلم))
وكتب على هذا السؤال أيضاً الشيخ إبراهيم السقاء خطيب الأزهر ما نصه ((الحمد لله قرر الشعراني في كتابه البدر المنير نقلاً عن الحافظ السخاوي أن الحديث بهذا اللفظ لا أصل له ثم قال وهو عند جماعة الشيخ إسمعيل اليمني قطعي)) انتهى
فهذا مما اختلف فيه الناس فلا يليق أن يرد على من أنكر صحته فإن السخاوي أنكرها ولا يليق أن يرد على من قرره فإن بعض الناس قد قرره كما سمعته عن
ص:183
الشعراني وفضل ((يس)) وكونها لقضاء الأغراض الدنيوية والأخروية لا يتوقف على هذا الحديث فإنه قد وردت به أحاديث أخر هذا ما فتح الله به))
إبراهيم السقاء الشافعي عفى عنه
قال جامع فتاوى الشيخ عليش رحمه الله ولما اطلع على هذا الجواب شيخنا أبو يحي (يعني الشيخ عليشا) كتب عليه ما نصه ((الحمد لله من المعلوم لكل أحد أن الأحاديث لا تثبت إلا بالأسانيد لا بنحو الكشف وأنوار القلوب فما نقله الشعراني عن جماعة سيدي إسمعيل اليمني إن كان المراد صحة اللفظ كما فهم المفتي توقف الأمر على السند وإلا رد القول على قائله كائنا من كان ودين الله لا محاباة فيه والولاية والكرامات لا دخل لها هنا إنما المرجع للحفاظ العارفين بهذا الشأن والحديث عندهم متفق على أنه لا أصل له فقد ذكره ملا على قارئ وقال قال السخاوي لا أصل له وقال في خطبة كتابه إنه لا يذكر الحديث الثابت ولا المختلف في وضعه وإن كان المراد صحة معناه كما هو اللائق بتحسين الظن بالسادة فهذا أمر قريب لأن من صح توكله وصدق إخلاصه إذا دعا إلا له أجابه خصوصاً إذ توسل بالقرآن ويقع مثل هذا في كلام الحفاظ فقد قال أبو بكر بن العربي لما تكلم على حديث ((سورة المائدة نعمت الفائدة)) أنا أقول سورة المائدة نعمت الفائدة لكن اللفظ لم يرد)) انتهى
إلا أن هذا غير ما نحن فيه فتعقب هذا المفتي على السخاوي بآخر عبارة الشعراني في غير محله لأنه مبنى على ما فهم من إراده صحة اللفظ وقد علمت أنه لا يصح لتوقفه على السند ولم يوجد إذ لو وجد لعرفه الحفاظ وذكروا الحديث في كتبهم وقوله ((فهذا مما اختلف فيه)) فيه ما فيه ويرده كلام ملا على وقوله ((ولا يليق الرد على من قرره)) كأن مراده المفتي الأول وهو لم يرد على من قرر إنما رد على من تكلم بلا علم وخاض بغير معرفة والرد على هذا متعين وكأنه لم يفهم ألفاظ من رد عليه كما أنه لم يفهم مراد
ص:184
من ردبه وكما أنه لم يفهم السؤال حيث قال وفضل ((يس)) الخ فإن فضل جميع القرآن لا نزاع فيه بين المسلمين وقوله ((هذا ما فتح الله به لم أفهم معناه فإنه إذا لم يحقق مراد من يتعقب بكلامه ولا يتدبر السؤال ولم يفهم ألفاظ من رد عليه مع كون الرد فضولاً لأنه إنما سئل عما في السؤال وأما في جواب المجيب فلا فبأى شيء وقع الفتح وإن كان هذا غاية ملكة هذا الرجل فإنا الله قد كنت أظن أن تحت القبة شيخا والله أعلم )) 1هـ كلام الشيخ عليش
ص:185
الباب الخامس
في الجرح والتعديل وفيه مسائل
1- بيان طبقات السلف في ذلك
قال الحافظ الذهبي الدمشقي رحمه الله تعالى في جزء جمعه في الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم ما نصه ((وأما الصحابة رضي الله عنهم فبساطهم مطوي وإن جرى ما جرى وإن غلطوا كما غلط غيرهم من الثقات فما يكاد يسلم من الغلط أحد لكنه غلط نادر لا يضر أبداً إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوا العمل وبه ندين الله تعالى وأما التابعون فيكاد يعدم فيهم من يكذب عمداً لكن لهم غلط وأوهام فما ندر غلطه في جنب ما قد حمل احتمل ومن تعدد غلطه وكان من أوعية العلم اغتفر له أيضاً ونقل حديثه وعمل به على تردد بين الأئمة الأثبات في الاحتجاج بمن هذانعته كالحادث الأعور وعاصم بن ضمره وصالح مولى التوأمة وعطاء بن السائب ونحوهم ومن فحش خطؤه وكثر تفرده لم يحتج بحديثه ولا يكاد يقع ذلك في التابعين الأولين ولو وجد ذلك في صغار التابعين فمن بعدهم وأما أصحاب التابعين كمالك والأوزاعي وهذا الضرب فعلى المراتب المذكروة ووجد في عصرهم من يتعمد الكذب أو من كثر غلطة فترك حديثه هذا مالك هو النجم الهادي بين الأمة وما سلم من الكلام فيه ولو قال قائل عند الاحتجاج بمالك فقد تكلم فيهن لعزر وأهين وكذا الأوزاعي ثقة حجة وربما انفرد ووهم وحديثه عن الزهري فيه شيء ما وقد قال فيه أحمد بن حنبل ((رأي ضعيف وحديث ضعيف وقد تكلف لمعنى هذه اللفظة وكذا تكلم من لا يفهم في الزهري لكونه خضب
ص:187
بالسواد ولبس زي الجند وخدم هشام بن عبد الملك وهذا باب واسع والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث والمؤمن إذا رجحت حسناته وقلت سيئاته فهو من المفلحين هذا أن لو كان ما قيل في الثقة الرضى مؤثراً فكيف وهو لا تأثير له )) انتهى كلام الذهبي
2- بيان أن جرح الضعفاء من النصيحة
قال الإمام النووي ((أعلم أن جرح الرواة جائز بل واجب بالاتفاق للضرورة الداعية إليه لصيانة الشريعة المكرمة وليس هو من الغيبة المحرمة بل من النصيحة لله تعالى ورسوله والمسلمين ولم يزل فضلاء الأئمة وأخيارهم وأهل الورع منهم يفعلون ذلك)) وقد تكلم الإمام مسلم على جماعة منهم في مقدمة صحيحه وقدمنا في مبحث الضعيف تحت ترجمة قول مسلم رحمه الله أن الراوي عن الضعفاء غاش آثم جاهل زيادة على ذلك فارجع إليه
3- بحث تعارض الجرح والتعديل
((إذا اجتمع في الراوي جرح مفسر وتعديل فالجمهور على أن الجرح مقدم ولو كان عدد الجارح أقل من المعدل قالوا لأن مع الجارح زيادة علم وقيل إن زاد المعدلون في العدد على المجرحين قدم التعديل)) انتهى ما في التقريب وشرحه وهذا القول وإن ضعف فهو الذي يتجه وما أحسن مذهب النسائي في هذا الباب وهو أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه ولذا أرى من الواجب على المحقق أن لا يكتفي في حال الراوي على المختصرات في أسماء الرجال بل يرجع إلى مطولاته التي تحكي أقوال الأئمة فعسى أن لا يرى إجماعاً على تركه بل يرى كثرة فيمن عدله فليتق الله الجارح وليستبري لدينه والله الموفق
ص:188
ثم رأيت التاج السبكي قال في طبقاته ((الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم الجرح مقدم على التعديل إطلاقها بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر ما دحوه وندر جارحوه وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه)) وقال أيضاً ((قد عرفناك أن الجارح لا يقبل منه الجرح وإن فسره في حق من غلبت طاعته على معاصيه وما دحوه على ذاميه ومزكوه على جارحيه إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بأن مثله من تعصب مذهبي أو منافسة دنيوية كما يكون بين النظراء وغير ذلك وحينئذ فلا يلتفت لكلام الثوري وغيره في أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيره في مالك وابن معين في الشافعي والنسائي في أحمد بن صالح ونحوه ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون)) 1هـ
وقال الحافظ الذهبي في ميزانه في ترجمة الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني ما نصه ((كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبـأ به لا سيما إذا لاح لك انه لعدواه أو لمذهب أو لحسد وما ينجو منه إلا من عصمه الله وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين ولو شئت لسردت من ذلك كراريس)) انتهى
وقال العارف الشعراني قدس سره في مقدمة الميزان ((ما من راو من الرواة المحدثين والمجتهدين كلهم إلا وهو يقبل الجرح كما يقبل التعديل لو أضيف إليه ما عدا الصحابة وكذا التابعون عند بعضهم لعدم العصمة أو الحفظ في بعضهم ولكن لما كان العلماء رضي الله عنهم أمناء على الشريعة وقدموا الجرح أو التعديل عمل به مع قبول كل الرواة لما وصف به الآخر احتمالاً وإنما قدم جمهورهم التعديل على الجرح وقالوا الأصل العدالة والجرح طارئ لئلا يذهب غالب أحاديث الشريعة كما قالوا أيضاً إن إحسان الظن بجميع الرواة المستورين أولى وكما قالوا إن مجرد الكلام في شخص لا يسقط مروية فلا بد من الفحص عن حاله وقد خرج الشيخان لخلق كثير ممن تكلم الناس فيهم إيثاراً لإثبات الأدلة الشرعية على نفيها ليحوز الناس فضل العمل بها فكان في ذلك فضل كثير للأمة
ص:189
افضل من تجريهم كما أن تضعيفهم للأحاديث أيضاً رحمه للأمة بتخفيف الأمر بالعمل بها وإن لم يقصد الحفاظ ذلك فإنهم لو لم يضعفوا شيئاً من الأحاديث وصححوها كلها لكان العمل بها واجباًن وعجز عن ذلك غالب الناس فأعلم ذلك)) انتهى
4- بيان أن تجريح بعض رجال الصحيحين لا يعبأ به
قال الإمام الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي ((ما احتج البخاري ومسلم به من جماعة علم الطعن فيهم من غيرهم محمول على أنه لم يثبت الطعن المؤثر مفسر السبب)) وقال النووي في شرح البخاري ((ما ضعف من أحاديثهما مبنى على علل ليست بقادحة)) وقال الحافظ الذهبي في جزء جمعه في الثقات الذين تكلم فيهم بما لا يوجب ردهم ما نصه وقد كتبت في مصنفي الميزان عدداً كثيراً من الثقات الذين احتج البخاري أو مسلم أو غيرهم بهم لكون الرجل منهم قد دون اسمه في مصنفات الجرح وما أوردتهم لضعف فيهم عندي بل ليعرف ذلك وما زال يمر بي الرجل الثبت وفيه مقال من لا يعبأ به ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمة فبعض الصحابة كفر بعضهم بتأويل ما والله يرضي عن الكل ويغفر لهم فما هم بمعصومين وما اختلافهم ومحاربتهم بالتي تلينهم عندنا أصلاً وبتكفير الخوارج لهم انحطت رواياتهم بل صار كلام الخوارج والشيعة فيهم جرحاً في الطاعنين فانظر إلى حكمة ربك نسأل الله السلامة وهكذا كثير من كلام الأفران بعضهم في بعض ينبغي أن يطوي ولا يروي ويطرح ولا يجعل طعناً ويعامل الرجل بالعدل والقسط)) انتهى
وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح في الفصل التاسع في سياق أسماء من طعن فيه من رجال الصحيح والجواب عنه ما نصه ((ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته ولا سيما
ص:190
ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين الكتابين بالصحيحين وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما هذا إذا خرج له في الأصول فأما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعناً فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام فلا يقبل إلا مبين السبب مفسراً بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه مطلقاً أو في ضبطه لخبر بعينه لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح ((هذا جاز القنطرة)) يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه قال الشيخ أبو الفتح القشيري هو ابن دقيق العيد في مختصره لكتاب ابن الصلاح في مختصره ((وهكذا نعتقد وبه نقول ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهره وبيان شاف يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما
((قلت فلا يقبل الطعن في أحد منهم إلا بقادح واضح لأن أسباب الجرح مختلفة ومدارها على خمسة أشياء البدعة أو المخالفة أو الغلط أو جهالة الحال أو دعوى الانقطاع في السند بأن يدعي في الراوي أنه كان يدلس أو يرسل فأما جهالة الحال فمندفعة عن جميع من أخرج لهم في الصحيح لأن شرط الصحيح أن يكون راوية معروفاً بالعدالة فمن زعم أن أحداً منهم مجهول فكأنه نازع المصنف في دعواه أنه معروف ولا شك أن المدعى لمعرفته مقدم على من يدعي عدم معرفته لما مع المثبت من زيادة العلم ومع ذلك فلا تجد في رجال الصحيح أحداً ممن يسوغ إطلاق اسم الجهالة عليه أصلاً كما سنبينه وأما الغلظ فتارة يكثر من الراوي وتارة يقل فحيث يوصف بكونه كثير الغلط ينظر فيما أخرج له إن وحد مرويا عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف بالغلط علم أن المعتمد أصل
مصادر المواضيع
قواعد التحديث
من فنون مصطلح الحديث
العلامة جمال الدين القاسمي الدمشقي
يتبع في المواضع القادمة ان شاء الله....